سوء الظن من الصفات الذميمة حقا، والتي تترتب عليها، انعكاسات غبر مريحة وفادحة. فما هو موقفنا من تفشي الاخبار غير الصحيحة والافتراءات الكاذبة؟
قال تعالى: {يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم} الحجرات
وسوء الظن ناجم عن امور كثيرة، بعضها تتعلق اسبابه بالمجتمع ككل.
فاما ما يتعلق بالفرد، فقد يكون هذا الانسان قد تولد عنده سوء الظن في الوقت الذي يجد السبل الى حسن الظن، وذلك ناتج عن سوء سريرته وسواد نواياه، وانحراف سلوكه واخلاقياته. وقد جمع الرسول الكريم (ص) ذلك بثلاثة امور هن بوادر الانحراف، وقواعد الشر في الانسان، وهي: الجبن، والبخل، والحرص.
ورد ذلك في الحديث الشريف: ان الجبن والبخل والحرص، غريزة واحدة يجمعها سوء الظن.
وقال امير المؤمنين (ع): سوء الظن يفسد الامور ويبعث الشرور.
نعم.. اذا ما صودرت الثقة وضيع اهلها، تقطعت الاواصر والعلائق المتينة، ساد الفساد، وربح المفسدون، وفتك بالاصلاح واهله، بأقسى واشر واقبح وسيلة، فأي شر اكبر من هذا والعياذ بالله، فهم اذن شر الخلق كما جاء على لسان الامام علي (ع)، حيث قال: شر الناس من لايثق بأحد ظنه، ولايثق أحد ظنه.
مساوئ التشهير والتشنيع
اما سوء الظن الناتج عن الوضع الاجتماعي العام، فانه هو الذريعة والمبرر للكثير منا في سوء الظن بالاخرين، وهو زمن الفساد، اعتمادا على جملة من الاحاديث الواردة عن النبي وآله، صلى الله عليه اجمعين، وتلك الاحاديث واردة بالفعل، ولكن الذي سبب التجاوزات هو الخطأ في التقرير والتقدير، ومثال ذلك ان النبي (ص) امر بالحذر من الناس بسوء الظن، حيث قال: احترسوا من الناس بسوء الظن، ويعني ذلك في زمن تغلبت فيه نسبة الفساد على نسبة الصلاح، وقال في ذلك علي (ع): اذا استولى الصلاح على الزمان واهله، ثم اساء رجل الظن برجل، لم تظهر منه فقد ظلمه، واذا استولى الفساد على الزمان واهله، فأحسن رجل الظن برجل فقد غدره.
وفي هذا الحديث، يتضح الفارق بين زمان تغلب الصلاح وزمان تغلب الفساد، والاحاديث في ذلك كثيرة جدا، ولكن ليس فيها ما يدل على جواز التشهير ما لم يكن الانسان على علم يقيني يبيح التشهير والكلام وراء الاخرين، بل الحاصل منها، جواز الظن في زمن الريبة والفساد مع احتفاظ الانسان بهذا الظن في نفسه، اما يشهر بانسان وهو لايزال في حالة ظن لا قطع فيه ولا جزم، فهذا غير جائز ما لم يثبت بالدليل الشرعي، فسق الطرف المعني، وكل ما في الامر ان الظان في زمن الصلاح، ظالم ولا عذر له، والظان في زمن الفساد، خاطئ ومعذور في خطئه، فليحذر التشهير والتشنيع، ولينتهي عن ذلك، فاذا تمت مكافحة الاشاعة ومحاربتها، يكون المجتمع قد عالج كل المشاكل المحيطة به.
وهناك اعتراض اخر على الذين يبررون سوء الظن بغلبة نسبة الفساد في المجتمع، ويجيزون الظن لانفسهم، وتقديرا منهم جزافيا للمجتمع، والاعتراض هو ان تحديدنا لهذا المعنى غير صائب، لان الملاحظ في ذلك هو قياس النسبة في المجتمع الذي تتعايش معه، لا في المحيط الواسع، ففي الحديث القائل: اذا استولى الفساد على الزمان واهله، يعني بذلك، استيعاب الفساد للاصلاح، فاذا كان المقصود من الزمان، هم اهل الدنيا، تكون التنيجة ان سوء الظن حلال ولم يكن حراما في يوم من الايام، ولا موضوع لحرمته، لانه من يوم بعث الله سبحانه وتعالى، الانبياء والفساد في قياس النسبة، اكثر بكثير من الصلاح، ومتفوق على ذوي الصلاح، فيتحتم علينا اذن، ان نفهم معنى استيلاء الفساد على الزمان واهله، بمعنى ارتفاع نسبة الفساد في المجتمع الذي نعرفه ونتعايش معه، وبهذا المفهوم لا يعتبر مجتمعنا الذي نعايشه قد استولى الفساد فيه على الناس، فلا نبرر سوء الظن بهذا المبرر في هذا الزمان وعلينا الكف عن ذلك، واجتناب المفاسد واسباب التحاقد والتحاسد، وبالاخص في ايامنا هذه، ايام الصحوة وظاهرة التدين.
البادئ بالاشاعة اظلم
تعني كلمة مصدر ثقة عند الناس -وللاسف الشديد- هو السابق بالاشاعة، والملاحظ لدى الكثير، مسارعة التصديق بالاشاعة دون رؤية، ودون تأمل، بمجرد الاعتقاد بفلان انه ثقة، والمفروض ان الذي نعتقد انه ثقة، عندما يصدر منه مثل هذا الموقف، تبدأ ثقتنا فيه تتزلزل، ويتغير في نظرنا، والغريب فينا اننا على عكس هذه الحقيقة، ذلك ان لو تكلم الثقة عن الثقة بسوء، لسارعنا الى تصديقه بحجة ان هذا المتكلم، عندنا ثقة، وبكلامه تنزع الثقة من الثقة بالاخر، او على الاقل اننا ماوقفنا لفلان على خلة ولا زلة، ولكن طعن فيه ثقة بالقول، ونال منه، فأصبح في نظرنا فاسقا، فما اسرع هذا التحول في وجهة النظر، بل ما ابشع هذا التزلزل وعدم الثبات، فلماذا لا يكون المبادئ بالطعن بلا مبرر شرعي هو الاظلم؟ لانه في الوقت الحاضر هو الذي ثبتت عليه المخالفة والتجاوز! ولماذا لا يكون في نظرنا كثير الكلام على الناس دون أمارة كافية، تكون معذرة له بين يدي الله يوم الحساب، هو الخارج عن العدالة؟ أفي فسق أمثال هؤلاء شك؟ اذا كان الجواب نعم، لضاعت الموازين، وذهبت المعايير، وفقدنا صوابنا اذا صوبنا خطأ السابق بالطعن، وعدلنا الذي ينال من العباد دائما، وفسقنا الصامت الساكت، ثم اولئك المنتهجين لهذا النهج، اما في قلوبهم خشية ولا خوف من ظلم الغير، والاعتداء عليهم بالكلام، وتحطيم معنوياتهم؟
الحذر من اصحاب الاشاعات
إن موقفنا من اصحاب الاشاعة، واضح في الكتاب والسنة الشريفة، لان اهل الاشاعة هم اهل الغيبة والنميمة، وهم اكلة لحوم البشر، والمتلاعبون بالقيم.
قال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضا ايحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه. واتقوا الله ان الله تواب رحيم}.
وقال الرسول الاكرم (ص): الغيبة جهد العاجز وهذا هو الحاصل بالفعل فينا. نعم اكثرنا عاجز عن مواجهة جهة صاحبه بالتهمة، فلا يواجه بها، ولكنه يطعنه خلف ظهره، لانه لا يمتلك الدليل الشرعي على ما قذف به اخاه، وبهذا يفصح عن داخله وسريرته الموبوءة بقسم النقص والتصور، ومهما تستر اهل الاشاعات، فانهم لابد ان يقعوا يوما في الفضيحة والفشل، كما رأينا ذلك عمليا امام ابصارنا، قال النبي (ص): لا تغتب فتغتب، ولا تحفر لاخيك حفرة فتقع فيها، فانك كما تدين تدان. وقال سيد الاوصياء على (ع): اياك ان تجعل مركبك لسانك في غيبة اخوانك، وتقول ما يصير عليك حجة، وفي الاساءة اليك علة.